الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
اعلم أن النكاح من نعمه العظيمة وآلائه الجسيمة حيث شرعه الله
لعباده وجعله وسيلة وطريقاً إلى مصالح ومنافع لا تحصر، ورتّب عليه من
الأحكام الشرعية الحقوق الداخلية والخارجية شيئاً كثيراً، وجعله من سنن
المرسلين وطريقة عباده الصالحين بعدما جعله ضرورياً لجميع العالمين. وله
من الفضائل والمزايا ما تميز عن سائر العقود وثبت له أشياء مميزات يختص
بها وربما شاركه بها قليلاً بعض الأشياء بحسب الأسباب الموجبة لذلك، وجعل
للدخول فيه شروطاً وآداباً وللخروج منه حدوداً وأبواباً.
فأول ذلك: ما تميز به من الفضائل والمصالح وأنه من الشرائع المأمور بها إيجاباً أو استحباباً.
الثاني: ومنها أنه يتيح للإنسان النظر إلى الأجنبية حين يريد خطبتها وتقع في قلبه محبتها ليحصل الإلتئام ويتم الإتفاق.
الثالث: ومنها أن الشارع حث على تخير الجامعة للصفات الدينية والصفات العقلية والأخلاق الجميلة فقال تعالى: فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء [النساء:3].
وقال النبي : { تنكح المرأة لأربع: لحسبها ومالها وجمالها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يمينك }
فحث على مراعاة الدين قبل كل شيء لأن الدين يصلح الأمور الفاسدة ويعدل
الأمور المعوجة، وتحفظ زوجها في نفسها وماله وولده وجميع ما يتصل به،
فالصفات الأُخر إنما هي أغراض منفردة نفيسة وأما الدين فصفة جامعة نافعة
حالاً ومآلاً.
الرابع: ومنها أن جميع المعقود عليه من أنواع المعاوضات
وغيرها لا حجر على إنسان فيما أحله له الشارع من غير مراعاة عدد، وأما
النكاح فأباح للإنسان من الأزواج إلى أربع لا يتعداهن ولا يزيد عليهن
جميعاً لخطره وشرفه، ولئلا يترتب على الإنسان من الحقوق ما يعجز عنه،
ولئلا يدخله في الحرام في أكثر أحواله، ولمراعاة مصلحة المرأة، ومع ذلك
فقال: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ [النساء:3]. وهذا بخلاف الوطء بملك اليمين حيث لا يترتب على النكاح فأبيح فيه من غير تقييد بعدد.
الخامس: ومنها أن النكاح لا يدخل فيه إلا بإيجاب وقبول
قوليين وهما ركناه اللذين لا ينعقد إلا بهما، الإيجاب: اللفظ الصادر من
الولي من قوله زوجتك أو نكحتك فلانة ونحوه، والقبول: الصادر من الزوج من
قوله قبلت النكاح أو زواجها أو نحو ذلك، وأما سائر العقود فينعقد بما دل
عليه من قول وفعل.
السادس: ومنها أنه لا بد فيه من تعيين الزوجين لفظاً،
فتعين الزوجة فيقول: زوّجتك بنتي فلانة ويسميها بما تميز به أو يقول ابنتي
الكبيرة أو الصغيرة أو الوسطى أو ابنتي فقط إذا لم يكن لها مشارك، وتعيين
الزوج من وجهين، أحدهما وقت القبول بأن يقول إن كان هو القابل قبلتها أو
قبلت نكاحها وإن كان قد وكل من يقبل له فلا بد أن يقول الولي زوّجت موكلك
فلاناً فلا يقول للوكيل زوجتك ويقول الوكيل قبلت أو قبلتها لموكلي فلان
فلا يقول قبلت فقط، والثاني عند الخطبة للزوجة فلا يكفي أن يقول خطبتها
لأحد أولادي أو إخواني أو لأحد بني فلان حتى يعين من يقع العقد والخطبة
له، وأما سائر العقود فلا تعتبر هذه الأمور لها فلا يشترط تسمية المعقود
له بوجه من الوجوه.
السابع: ومنها أن النكاح أحد ما اشترط له العلماء الشهادة
وهو المشهور من المذهب فلا بد فيه من شاهدين عدلين يشهدان به وقت العقد،
وعلى الرواية الثانية عن أحمد الشرط فيه أن يكون معلناً فإن حصلت معه
الشهادة كان نوراً على نور، وأما سائر العقود فالإشهاد فيه سنة لا واجب.
الثامن: ومنها اشتراط الولي في النكاح فلا يصح النكاح إلا
بولي للمرأة يعقده وهو أبوها فإن لم يكن فأقرب عصبتها فإن لم يكونوا
فالحاكم. ولا بد أن يتصف الولي بصفات الولاية التي ترجع إلى كفاءته وصحة
عقده. ولو كانت الأنثى من أعقل النساء وأرشدهن فلا تعقد النكاح لنفسها ولا
لغيرها من باب أولى وأحرى. وأما بقية الأشياء فالولاية إنما تكون إذا كان
الإنسان قاصراً في عقله غير محسن لتدبير أحواله فينوب وليه منابه، وأما
إذا كان راشداً فيستقل بأحواله في عقوده وتصرفاته.
والفرق ظاهر لخطر النكاح وانخداع المرأة وعدم معرفتها التامة
غالباً وتعلق حقوق القرابة بهذا النكاح حتى أنهم يمنعونها من تزوج من ليس
كفئاً لها ولو كانت راضية بذلك بخلاف سائر العقود، فمن رضي المعقود عليه
ولو كان معيباً أو كان فيه غبن فاحش فلا حجر عليه من أوليائه إذا كان
رشيداً والنكاح يحجرون عليها من تزوج غير الكفء وهذا فرق ثامن.
التاسع: أنه لا بد من استئذان الأولياء غير الأب لمن تم
لها تسع سنين ولها إذن صحيح معتبر، وأما بقية العقود فمن كان صغيراً قبل
بلوغه ورشده فليس على وليه استئذانه في بيع سلعة أو الشراء بل يستقل وليه
بالتصرف له.
العاشر: أن سائر العقود والأشياء يصلح فيه المعاوضة
والتبرع التام وإعطاؤها مجاناً، وأما النكاح فلا يمكن أن يخلو من صداق
قليل أو كثير. فإن كان مقدراً مسمى وجب المسمى زاد عن مهر المثل أو نقص أو
ساوى، وإن كان لم يشترط صداق وجب مهر مثلها من نسائها جمالاً ومالاً
وديناً وعقلاً وسائر الصفات، وإن شرط فيه أن لا مهر ولا صداق لها فالشرط
باطل بالاتفاق.
وهل يبطل النكاح كإحدى الروايتين عن أحمد واختارها شيخ الإسلام أو
يصح النكاح ويبطل الشرط كما هو المشهور من المذهب؟ وعلى كل فالعوض فيه لا
بد منه كما رأيت ويصح بالمال والمنافع الدينية والدنيوية. ويجب على الولي
فيه أن لا يلحظ سوى مصلحة موليته، ولهذا نهى الشارع عن نكاح الشغار وهو أن
يزوج كل واحد منهما موليته على أن يزوجه الآخر موليته ولا مهر أو بمهر
قليل، لأن فيه مفاسد كثيرة منها أن الولي لا يلحظ إلا مصلحة نفسه وهي
خيانة محرمة.
الحادي عشر: أن سائر المعقود عليه العقود الشرعية كلها
مباح جائز من جميع الأشياء الواقع عليها عقد بيع أو إجارة أو مشاركة أو
تبرع، وأما النكاح فجعل الشارع فيه النساء قسمين:
محرمات على الإنسان لقرابة أو رضاع أو صهر، ومباحات وهو من عداهن.
فالمحرمات في النسب ضابطهن الأصول من الأم والجدات والفروع من
البنات وبنات الأولاد وفروع الأب والأم وإن نزلن من الأخوات وبناتهن وبنات
الإخوة والعمة والخالة، والباقي من الأقارب حلال.
وإن شئت فقل: الحلال من الأقارب بنات العم والعمة وبنات الخال والخالة، ومن عداهن فحرام.
والمحرم في الرضاع نظير المحرم من لنسب من جهة المرضعة ومن جهة من
له اللبن من زوج وسيد بشرط أن يرضع خمس رضعات فأكثر في الحولين وقت
الرضاع، وأما من جهة الراضع فلا تنتشر الحرمة إلا عليه وعلى ذريته وإن
نزلوا فليعلم ذلك.
وتحريم المصاهرة أن تحرم على الإنسان حلائل آبائه وإن علون وحلائل
أبنائه وإن نزلن وأمهات نسائه وإن علون، هؤلاء بمجرد عقد النكاح يترتب
تحريمهن، والرابعة بنات زوجاته إذا دخل بهن فإن لم يدخل بهن فلا جناح
عليه.
والمقصود أن هذا التحريم خاص بالنكاح بل ثَمّ غير هؤلاء محرمات
فيه تحريماً مؤقتاً لإخلاله بما عليه من الحقوق كتحريم زوجة الغير ومعتدة
الغير لوجود بقية حق الزوج الأول عليها، وكذلك يحرم على من كانت في حج أو
عمرة حتى تحل من إحرامها، فكل هذه الأحكام مختصة بهذا العقد، وكذلك
الكافرة غير الكتابية. وتحرم المسلمة على الكافر مطلقاً.
الثاني عشر: أنه رتب على وجود هذا العقد تحريم المحرمات
بالصهر كما تقدم فيصير تحريمهن مؤبداً عليه بسبب هذا الاتصال مع أنها ما
دامت في حيال الزوج فهي زوجته وإذا فارقتها صارت أجنبية وأما سائر العقود
فالأحكام من الملك والتصرف إنما تتعلق بالمعقود عليه فقط فلا يسري إلى
غيره.
الثالث عشر: أنه كما يدخل فيه بشروط وحدود فلا يخرج منه
إلا بحدود وقيود، فإذا أراد أن يطلق زوجته فإنه يؤمر بالصبر عليها فعسى أن
يكون فيه خير كثير، وأبغض الحلال إلى الله الطلاق مع أنه من نعمه على
العباد، فكما أن من نعمه إباحة النكاح لما يترتب عليه من المصالح كما سبق
فمن نعمه مشروعية الطلاق لما يترتب على إباحته من إزالة أضرار كثيرة، فإن
كان لا بد من طلاقها فليطلقها لعدتها بأن يطلقها فتبتدئ من حين طلاقه بعدة
متيقنة، فلذلك وجب عليه أن لا يطلقها وهي حائض أو في طهر وطئ فيه إلا أن
تبين حملها فإنه إذا تبين الحمل طلقها علم أنها تشرع في العدة وهو انقضاء
وضع الحمل.
وأيضاً فلم يملكه الله إلا ثلاث تطليقات واحدة بعد واحدة عند
احتياجه إليها، فلا يحل إرسالها جملة واحدة على الزوجة والمقصود من الفرقة
حاصل بواحدة.
والمقصود أنه إذا طلقها وهي حامل طلقها مبتدية للعدة بالحمل وكذلك
إذا طلقها طاهراً لم يمسها فقد طلقها لعدة متيقنة فإنه تبتدئ بعدتها
بالإقراء من حين طلاقها وكذلك الصغيرة التي لم تحض والآيسة من المحيض يجوز
طلاقها كل وقت لأنها تبتدئ في الحال بالعدة لأن عدتها ثلاثة أشهر.
وكما أبيح له طلاقها عند الحاجة إليه فيباح الخلع عند الحاجة إليه والخصومة، قال تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ
[البقرة:229]. فلم يبح الله الخلع إلا في هذه الحالة وأنه يباح بكل ما
تراضيا عليه من الفدية، ودل ذلك على أن الخلع بينونة لأن الله تعالى سماه
افتداء ولا يحصل الافتداء وخلاصها منه إلا بالبينونة، ودل على أنه لا يحسب
من الطلاق الثلاث، وكل هذه الحدود والشروط في الخروج من النكاح لا يساويه
فيها غيره من الفسوخ.
الرابع عشر: أن جميع الأشياء إذا نقل الإنسان ملكه ببيع أو
هبة أو غيرها انقطعت علقه منها وصار الثاني المنتقلة إليه قائماً مقامه له
فيما له من الملك والتصرفات إلا النكاح فإنه متى فارق زوجته بقيا في علقه
وتعلقه مدة العدة، فإذا كان الطلاق رجعياً وهو ما كان دون الثلاث في نكاح
صحيح على غير عوض فله أن يرتجعها إلى نكاحه من غير تجديد عقد ويعود النكاح
كما كان، فهذه شروط الرجعة. ولها أيضاً مدة العدة النفقة والكسوة والسكنى
وإذا مات أحدهما فيها ورثه الآخر ولم يحل لغيره التعريض ولا التصريح
بخطبتها.
وإن كان النكاح بائناً بقيت في علق عدته أداء لحق عقده واستبراء
لرحمها عن ولده واحتياطاً للولد وللزوج الآخر فلم يحل لأحد نكاحها فيها
ولا التصريح لها بالخطبة وأما التعريض الذي فيه رغبته للزواج وليس فيه
تصريح في الخطبة فإنه يباح.
وهذه الخصائص كلها لا يساوي النكاح فيها ولا في بعضها شيء من
الفسوخ إلا من أعتق مملكوته أو مات عنها وكان يطؤها فإنه تشاركها في بعض
مقاصد العدة وهو الاستبراء فقط لوجوب التمييز بين المياه والتخليص للأنساب
وأنه لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره.
الخامس عشر: أن جميع الأشياء إذا انتقلت من ملك الانسان ثم
عادت إليه فإنه يباح له الاستمرار على ذلك من غير تقييد بعدد إلا النكاح
فإنه نهاية ما يملك ثلاث تطليقات فإذا طلقتها الثالثة لم تحل له إلا بعد
نكاح زوج آخر نكاح رغبة لا نكاح تحليل. وقد كانوا في الجاهلية يجرون هذا
العقد مجرى جميع العقود ولا يزال يطلق ويعيدها من غير تقييد بعدد فإذا
أراد إضرار المرأة تمكن من ذلك يكلقها ثم يعيدها أبداً. ومن ذلك الحكم:
السادس عشر: أنهم في الجاهلية كانوا يرثون الزوجات مع جملة المتروكات فكان إذا مات عنها كان ابن عمه أحق بها فجاء الإسلام وأنزل الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهاً [النساء:19]. فصارت تركة الميت جميع مخلفاته من نقود وأثاث وعقارات ومنافع ومملوكات، خرجت الزوجات عن هذا الحكم الجاهلي ولله الحمد.
السابع عشر: اغتفار الغرور غير الكثير جداً في النكاح عقداً
وفسخاً فيغتفر الغرور في الصداق، وقد ذكر الأصحاب من أمثلة ذلك صوراً
متعددة، وكذلك يغتفر في فسخه الخلع والسبب في ذلك أن العوض فيه لبس
مقصوداً لنفسه وإنما المقصود إباحة الاستمتاع وانتفاع كل من الزوجين في
الآخر بخلاف سائر عقود المعاوضات فإنه كما قصد فيها المعقود فكذلك العوض
ولا يقصر إرادة أحدهما عن الآخر.
الثامن عشر: المذهب أن عقود المعاوضات لا يصلح أن يجعل
العوض بعضه للمالك المعقود عليه وبعضه لأبيه، والنكاح يجوز فيه ذلك ويلزم
فإذا شرط الصداق ألفاً لها وألفاً لأبيها صح ذلك. ويترتب على هذا:
التاسع عشر: أنه ليس للأب أن يبيع أو يؤجر مال ولده بدون
ثمن وأجرة المثل ولو وكله في مطلق العقد. وأما النكاح فيجوز أن يزوج ابنته
بدون صداق مثلها ولا يلزم أحداً تتمته لا الزوج ولا الأب، والفرق كما تقدم
أنه ليس القصد من النكاح نفس الوصول إلى العوض وإنما القصد من النكاح نفس
الوصول إلى العوض وإنما القصد ما يحصل لأحد الزوجين من المنافع في الآخر،
والأب لا يزوجها بدون صداق مثلها إلا لما يرى لها من المصلحة المريبة على
العوض.
العشرون: اختلف العلماء في الذي بيده عقدة النكاح هل هو
الزوج كما هو المشهور من المذهب لأن يملك الإمساك والإرسال أو هو الأب
العاقد كما هو الرواية الأخرى عن الإمام وهو ظاهر القرآن فعلى هذا جاز
للأب أن يعفو عما تستحقه الزوجة من نصف الصداق بلا إذنها، ولم يجوّز
الأصحاب العفو عن الثمن ولا عن بعضه للأب.
ولكن الذي أرى في هذه الصورة الأخيرة هو القول الآخر في المذهب
وهو أن هذه الصورة متفرعة عن جواز تملك الأب من مال ولده ما شاء وأنه إذا
جاز أن يتملك من ماله الموجود جاز أن يشترط بعض العوض في البيع والإجارة
ونحوها لنفسه وجاز أن يعفو عن بعض الثمن والأجرة ولا فرق، والله أعلم.
الحادي والعشرون: أن النكاح لا يثبت فيه خيار مجلس ولا
خيار شرط ولا غيرها إلا خيار العيب، فإذا وجد أحد الزوجين الآخر معيباً
عيباً ينفر منه من غير تقييد بشيء دون آخر على الصحيح ثبت له الخيار إن
شاء أبقاه وأمضاه وإن شاء رده، وهذا بخلاف عقود المعاوضات فيثبت فيها جميع
أنواع الخيار.
الثاني والعشرون: أن العقود على المنافع لا بد أن يعين لها
أمداً معلوماً، وأما عقد النكاح فلا يحل أن يعين له أمداً معلوماً، وأما
عقد النكاح لا يحل له أن يعين له أمد معلوم، فلو صار نكاح المتعة المحرمة
في السنة الصحيحة، بل أيد النكاح مدة العمر مع الاتفاق قل أو طال ومدة
الاتفاق إذا حصل قبل الموت فراق. ويترتب عليه:
الثالث والعشرون: أن الأغراض المؤجلة كلها لا بد من أجل
معلوم مسمى إلا النكاح فإنه إذا أجل الصداق أو أجل بعضه جاز أن يكون الأجل
معلوماً وجاز أن يطلق في تأجيله وإذا أطلق صار حلوله الفراق بموت أو طلاق
أو فسخ أو نحوه، والسبب فيه العلة السابقة أن العوض مجعول وسيلة لا
مقصوداً. وأغرب منه:
الرابع والعشرون: ما قاله الأصحاب رحمهم الله أنه إذا عين أجله بموت أو فراق لم يصح وإن أطلق وصار ذلك أجله وفي هذا نظر والله أعلم.
الخامس والعشرون: أن السيد إذا ملك عبده شيئاً فله أن
يسترده منه متى شاء وله أن يتصرف فيما ملكه إلا في النكاح فإنه إذا زوج
عبده ملك العبد منافع الزوجة وإبقائها وإرسالها وصار الفراق بيده لا بيد
سيده حتى ولو باعه السيد فالنكاح باق.
السادس والعشرون: أن من وجد بما عاوض عنه عيباً فله الفسخ وحده
وليس لأحد أن يلزمه بالفسخ إذا كان رشيداً إلا النكاح فإن من تزوجت معيباً
فلوليها أباً كان أو غيره الفسخ، والفرق أن عقود المعاوضات يختص نفعها
وضررها المالك والنكاح يتصل نفعه وضرره بالأولياء.
السابع والعشرون: إطلاق المعاملة مع الكفار في جميع العقود
إلا النكاح فلا يتزوج كافر مسلمة أبداً ولا يتزوج المسلم من الكفار إلا
الكتابيات، والحكمة فيه قوله: أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ [البقرة:221] فاتصال المسلمة بالكافر والمسلم بالكافرة يدعو إلى هذا الضرر الديني.
الثامن والعشرون: أن جميع العقود الفاسدة لا تحتاج إلى فسخ
لفسادها بل يصير وجوده كعدمه إلا النكاح فإنه إذا عقد عليها عقداً فاسداً
فيه خلاف فإنه يلزم بطلاقها ويجبر على ذلك لأجل زوال ما تعلق بها أو ظن
تعلقه بها من هذا العاقد ولئلا ينفذه من يرى جوازه.
فهذه ثمانية وعشرون فرقاً بين النكاح وغيره من العقود يسرها الله
تعالى وذكر في ضمن كل واحد منها أحكامه الخاصة، فصارت ـ مع إفادتها الفرق
المذكور ـ مشتملة على المهم من أحكام النكاح، الذي لا يستغني طالب العلم
عن معرفته، وبالله التوفيق وله المنة.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.