تَذكُرك للماضي قتل للإرادة وتبديد للحيلة الحاضرة
إن بلاءنا أننا نعجز عن حاضرنا ونشتغل بماضينا ، ونهمل قصورنا الجميلة ، ونندب الأطلال البالية ، ونسينا أنه " لئن اجتمعت الإنس والجن على إعادة ما مضى لما استطاعوا " لأن هذا المحال بعينه.
فان القراءة في دفتر الماضي ضياع للحاضر ، وتمزيق للجهد ، ونسف للساعة الراهنة ، فالأمر انتهى وانقضى ، ولا طائل من تشريح جثة الزمان ، وإعادة عجلة التاريخ .
إن الذي يعود للماضي كالذي يطحن الطحين وهو مطحونٌ أصلاً ، وكالذي ينشر نشارة الخشب .
قديماً قالوا لمن يبكي على الماضي : " لن تقوم بإخراج الأموات من قبورهم " .
فإن العقلاء لا ينظرون إلى الوراء ولا يلتفتون إلى الخلف ، لأن الريح تتجه إلى الأمام ، والماء ينحدر إلى الأمام ، والقافلة تسير إلى الأمام ، فلا تخالف سنة الحياة.
غير أن ملف الماضي عندهم يطوى ولا يروى ، لا الحزن يعيده ، ولا الهم يصلحه ، ولا الغم يصححه ، ولا الكدر يحييه ، لأنه عدم .
أتمنى أن لا تعيش في كابوس الماضي ، وتحت مظلة الفائت .
أتريد أن ترد النهر إلى مصبّه؟ ، والشمس إلى مطلعها؟ ، والطفل إلى بطن أمّه؟ ، والدمعة إلى العين؟؟؟؟
إن تفاعلك مع الماضي ، وقلقك منه واحتراقك بناره ، وانطراحك على أعتابه وضعٌ مأساويٌّ رهيب مخيف مفزع.
وتذكّر دائماً : أصحاب المبادئ تزيدهم العبر والعظات إيماناً وتحسباً ، أما الباقي من الناس فتزيدهم خوفاً إلى خوفهم .
وتأكّد انه ليس أنفع أمام الزوابع والدواهي من قلب شجاع ، ولاتكن كالجبان الذي يذبح نفسه كل يوم مائة مرة بسيف التوقعات والأوهام والأحلام ، فإذا كنت تريد حياة مستقرة فواجه الأمور بشجاعة وجلد .
ونصيحتي لك " لا تضع الكــــرة الأرضيـــة على رأسك ، ضع الأحداث على الأرض ولا تضعها في أمعائك " .
فأنا أعلم بأن البعض عنده قلب كالاسفنجة يتشرب الشائعات وينزعج للتوافه ، يهتز للواردات ، ويضطرب لكل شئ ، وهذا القلب للأسف كفيل بأن يحطم صاحبه وأن يهدم كيان حامله , فأرجوكم احذروا من ذاك القلب .
وأتمنى في النهاية أن أكون قد قدمت سداداً في الرأي ، ونوراً في البصيرة , فأنا أوجّه كلامي لكل من أراد أن يحيا حياةً سعيدةً .
مع تمنياتي للجميع بالاستفادة